هياكل عظمية على أسِرّة المستشفيات.. الجوع ينهش صغار غزة وسط حصار إسرائيلي خانق

– والدة الطفل محمد اللوح: طفلي يعاني من سوء التغذية والتهابات الثدي بسبب قلة الحليب.
والدة رزان: ابنتي تعاني من ارتفاع مستمر في درجة الحرارة وضعف عام، وبسبب قلة الطعام والماء فإن حالتها تسوء يوما بعد يوم.
د. إياد أبو معليق: نستقبل يومياً ما بين 50 إلى 60 حالة أغلبها بسبب سوء التغذية بشكل مباشر أو غير مباشر.
بأجساد نحيفة كالهياكل العظمية، يرقد الأطفال محمد ورزان وأمل في مستشفيين في قطاع غزة، منهكين من الأمراض الناجمة عن الجوع وسوء التغذية الحاد – نتيجة للحرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين منذ 21 شهراً.
على طاولة العلاج، اختفت الطفولة من وجوه الأطفال الثلاثة. لم يُظهروا أي استجابة للعب أو التفاعل، وقضوا معظم وقتهم في حالة من الخمول التام، نتيجةً لهزال شديد وسوء تغذية.
* أجسام ضعيفة
وفي خضم هذا المشهد من الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ترتفع صرخات الأطفال المرضى والجوعى، في حين يكافح الأطباء لتوفير حتى الرعاية الطبية الأساسية في مواجهة نقص حاد في الموارد.
مع تزايد التحذيرات من انهيار النظام الصحي في قطاع غزة، تنتشر المجاعة بهدوء بين آلاف الأطفال الذين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة في مواجهة التجويع الممنهج الذي تمارسه إسرائيل.
ورغم تدهور الأوضاع الصحية والتحذيرات المتزايدة من المجاعة، تواصل إسرائيل منع دخول الغذاء والمياه إلى غزة، وتتجاهل الدعوات الدولية المتكررة لفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية.
أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الجمعة، أن نحو 112 طفلا فلسطينيا يدخلون إلى مستشفيات قطاع غزة يوميا منذ بداية العام لتلقي العلاج من سوء التغذية بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق.
أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، السبت، أن عدد الأطفال “الشهداء” بسبب سوء التغذية الحاد ارتفع إلى 66 طفلاً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. والسبب في ذلك هو تشديد الحصار على قطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي يستخدم “الجوع سلاحاً لإبادة المدنيين”.
* الطفولة الضائعة
في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة، تقف أم فلسطينية عاجزة أمام رضيعها محمد اللوح البالغ من العمر ثلاثة أشهر، عاجزة عن إعطائه الحليب الذي يحتاجه بشدة.
منذ اللحظات الأولى من حياته، لم يعرف الطفل سوى الجوع والحصار. وُلد في خضم مجاعة، ولم يعش يومًا سعيدًا كغيره من أطفال العالم.
خلال الأشهر الثلاثة التي انقضت منذ ولادته، تشرّد الطفل وعائلته وحُرموا، ولم يتمكنوا من قضاء يوم واحد آمن. سُلبت طفولته مبكرًا في خضم حرب لا هوادة فيها، لا تمنحه الحق في البكاء، كما يفعل أطفال العالم في سنواتهم الأولى.
وقالت لوكالة أنباء الأناضول: “طفلي يعاني من سوء التغذية والتهابات الجهاز التنفسي بسبب نقص الحليب. لا يوجد حليب في المستشفيات، والمعابر مغلقة بسبب الحصار”.
بالنسبة لوالدة رزان أبو زاهر، الوضع ليس مختلفًا كثيرًا. تجلس بجانب ابنتها المريضة وتأمل أن تشفى.
وقالت والدة الطفلة رزان لوكالة الأناضول: “تعاني رزان من ارتفاع مستمر في درجة الحرارة وضعف عام، وحالتها تتدهور يوميا بسبب نقص الغذاء والماء”.
وأضافت أن ابنتها حرمت من الحليب المغذي والحبوب الجاهزة التي تسمى “سيريلاك”، ما أدى إلى تفاقم تدهور صحتها.
أمل في قسم الأطفال بمستشفى ناصر بخان يونس. جسدها نحيل، وعظمة صدرها ظاهرة بوضوح، بسبب حساسية القمح لديها. في ظل انعدام البدائل الغذائية المناسبة في ظل تفاقم المجاعة، تعاني أمل من حساسية القمح.
قال والدها: “عانت من سوء التغذية بعد طردها. شخّص الطبيب إصابتها بحساسية القمح، ونصحنا بإعطائها اللحوم والفواكه، لكنها كانت تفتقر إلى كل شيء”.
ويشير إلى أن وزنها انخفض من 20 كيلوغراماً إلى 12 كيلوغراماً بسبب الجوع.
* سوء التغذية منتشر على نطاق واسع
أوضح الدكتور إياد أبو معيلق، رئيس قسم الأطفال في مستشفى شهداء الأقصى: “نشهد اكتظاظًا شديدًا في القسم، حيث نستقبل يوميًا ما بين 50 إلى 60 حالة. معظمها التهابات تنفسية ومعوية، بالإضافة إلى التهاب السحايا، وهي أمراض مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بسوء التغذية”.
وتابع: “ليس لدينا إمكانية الحصول على حليب الأطفال، وسوء التغذية يضعف مناعة الأطفال ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض”.
وناشد أبو معليق المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتدخل العاجل وتوفير حليب الأطفال والمستلزمات الطبية والأدوية.
منذ الثاني من مارس/آذار، أغلقت إسرائيل المعابر الحدودية مع قطاع غزة أمام الشاحنات المحملة بالإمدادات والمساعدات الإنسانية. وقد ازدحمت الشاحنات على الحدود، مما حدّ من عدد الشاحنات الداخلة إلى قطاع غزة. ويحتاج الفلسطينيون في قطاع غزة إلى 500 شاحنة على الأقل يوميًا.
بعيداً عن سيطرة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تنفذ تل أبيب وواشنطن خطة لتوزيع مساعدات محدودة عبر مؤسسة غزة الإنسانية منذ 27 مايو/أيار الماضي. ويقصف الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين الذين ينتظرون المساعدات، مما يضطرهم إلى الاختيار بين الجوع والإعدام.
وأسفرت الآلية الإسرائيلية الأميركية لتوزيع المساعدات في غزة عن مقتل 600 شخص وإصابة أكثر من 4278 آخرين حتى الأحد الماضي، بحسب وزارة الصحة في غزة.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير، متجاهلة النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
وقد قُتل وجُرح أكثر من 191 ألف فلسطيني في الإبادة الجماعية، معظمهم من الأطفال والنساء، كما فُقد أكثر من 11 ألف شخص.