هل ما يحدث بين إسرائيل وإيران “حرب” فعلًا؟

صباح الجمعة، 13 يونيو/حزيران، استيقظ العالم على نبأ ضربة استباقية إسرائيلية استهدفت منشآت نووية وعسكرية في عمق إيران. كانت عملية غير مسبوقة، تُعتبر الأقوى منذ سنوات. ردّت إيران بمئات الطائرات المسيرة والصواريخ، بينما تزايدت المخاوف من تفجر الوضع عالميًا.
لكن وسط هذه الأحداث المتسارعة، لا يزال سؤال بسيط ومحير يشغل أذهان كثير من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي: هل بدأت الحرب؟
متى تسمى المواجهة “حربًا”؟
ورغم شدة التراشق بالاتهامات بين إسرائيل وإيران، فإن وصف الحدث بـ”الحرب” ليس مسألة لغوية فحسب، بل هي أيضاً مسألة قانونية وسياسية.
وبحسب الدكتور ماجد بودن، رئيس جمعية باريس للقانون الدولي، فإن القانون الدولي، وخاصة اتفاقيتي لاهاي وجنيف، يعرف الحرب على النحو التالي:
“صراع مسلح بين دولتين أو أكثر يتم فيه استخدام القوات المسلحة على نطاق واسع لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية واضحة وينتج عنه خسائر بشرية ومادية كبيرة.”
ومع ذلك، غالبًا ما يتطلب الإعلان الرسمي للحرب بيانًا عامًا من الدولة، وتعبئة عامة للجيوش والقوات المسلحة، ونزاعًا طويل الأمد يتجاوز الاستجابات المحدودة. حتى الآن، لم تُعلن إيران ولا إسرائيل الحرب رسميًا.
ويقول بودن لبي بي سي عربي إن الحرب عادة ما تبدأ بإعلان رسمي، يليه إنذار نهائي، ثم مواجهة عسكرية واضحة، وتنتهي بوقف إطلاق النار وأخيراً معاهدة سلام تحدد الشروط والأطراف.
ويهدف هذا التسلسل إلى منع الفوضى وحماية المدنيين من أن يصبحوا ضحايا لحرب مفاجئة دون إطار قانوني.
لإعلان الحرب بُعدٌ حضاري. غرضه هو تمكين الدولة المعتدية من منح الطرف الآخر، ولو شكليًا، فرصة حماية المدنيين والأطفال والبنية التحتية.
مع أن الحرب بطبيعتها عنيفة ومميتة، إلا أن القانون الدولي يسعى إلى حصرها في قواعد تضمن لكلا الطرفين حدًا أدنى من الحماية للمدنيين في خضم العنف. علاوة على ذلك، لا يُسمح باستخدام القوة إلا في إطار المساواة.
“الحرب ليست مجرد قتل… بل هي قتل مشروع.”
يشرح بودن الفرق الجوهري بين القتل في الحياة اليومية والقتل في الحرب: “في الحياة اليومية، يُحاكم كل من يقتل كمجرم. أما في الحرب، فيُعتبر قتل العدو مشروعًا بين الطرفين. فهو لا يُعتبر جريمة قتل، بل جزءًا من النزاع المسلح المشروع”.
لكن حتى هذا “القتل المشروع” له حدوده. يشير بودن إلى أن الحرب المشروعة يجب أن تلتزم بمبادئ التناسب، وتتجنب الهجمات على المدنيين أو تدمير البنية التحتية. وفي هذه الحالة، تُعتبر هذه الأفعال أعمالًا خارجة عن قوانين الحرب، ويمكن اعتبارها جرائم حرب.
المسؤولية القانونية: من يبدأ الحرب يتحمل عواقبها.
بمجرد تصنيف المواجهة كحرب، تسري المسؤولية الدولية. يوضح بودن أن الدولة التي تشن حربًا تُحمّل مسؤولية انتهاك سيادة دولة أخرى، حتى لو ادعت الدفاع عن النفس. ويقول: “إذا ثبت أن إسرائيل بدأت القتال، فإنها بذلك تنتهك القانون الدولي بانتهاكها سيادة إيران. وهذا الانتهاك سيترتب عليه عواقب على المجتمع الدولي”.
وتشمل هذه العواقب ثلاثة مستويات:
1. وقف الحرب: وهذا يعني وقف العمليات العسكرية فوراً.
2. الإصلاح والتعويض: إصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وإعادة الممتلكات إن وجدت.
3. دفع التعويضات البشرية والمادية: ويشمل ذلك تعويض المدنيين المتضررين وأسر الضحايا وحتى الدول المجاورة إذا كانت متضررة.
يؤكد بودن أن التعويض عن الخسائر البشرية لا يُقاس بالمال، بل يُمثل التزامًا قانونيًا رمزيًا: “لا شيء يُعوّض الحياة. ولكن هناك سبيل قانوني لمحاولة التعويض عن الخسارة المادية، والأثر النفسي، وفرص الحياة المفقودة للقتلى أو المصابين”.
الحرب لا تكون حربا فقط عندما يتم إعلانها
يجادل بودن بأن إسرائيل ربما تكون قد بدأت حربًا دون أن تُعلن ذلك، كما حدث في تاريخ الصراعات الدولية. ويشير إلى أمثلة سابقة مثل:
حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، والتي على الرغم من خسائرها الفادحة، لم يتم وصفها رسميًا بأنها “حرب” من قبل أي من الجانبين.
– الغزو العراقي للكويت عام 1990، والذي بدأ كعملية عسكرية قصيرة لكنه تطور إلى حرب إقليمية.
لقد فتحت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الباب أمام حربين متتاليتين في أفغانستان ثم في العراق، رغم أنها لم تكن مواجهة تقليدية.
يقول بودن: “أحيانًا تبدأ الحرب بصاروخ واحد، لكن لا يُكشف عن هويته إلا لاحقًا. لكن القانون لا ينتظر إعلانًا رسميًا. ما دامت هناك معارك مطولة، وإصابات، وتبادل للضربات،… فنحن نواجه حربًا”.
هل يجب أن يكون كلا الطرفين متساويين حتى نتمكن من الحديث عن الحرب؟
يعتقد البعض أن الحرب لا تُعتبر حربًا إلا إذا كان هناك توازن في القوى بين الطرفين. إلا أن الدكتور ماركو روكيني، أستاذ القانون الدولي بجامعة وستمنستر، يوضح أن القانون الدولي لا يشترط توازن القوى لاعتبارها “حربًا”، بل يفرض مسؤولية إضافية على الطرف الأقوى.
لا يشترط القانون تكافؤ القوى، ولكنه يُلزم الطرف الأقوى بعدم إساءة استخدام سلطته. تنشأ الحرب عند استخدام القوة المسلحة بين الدول، بغض النظر عن تساوي أو عدم تكافؤ ميزان القوى.
ويرى كذلك أن القانون يحمي الطرف الأضعف ويأخذ هذا الخلل في الاعتبار عند النظر في الانتهاكات أو فرض التعويض.
كيف يمكن وقف التصعيد؟
إذا وصلت الحرب إلى نقطة اللاعودة، فكيف يُمكن إنهاؤها؟ يوضح روشيني أن هناك طرقًا قانونية ودبلوماسية يُمكن للدول اتباعها. وتشمل هذه الطرق:
1. إحالة الدولة المعتدية إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاتها.
2. الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي.
3. التصعيد في الجمعية العامة للأمم المتحدة إذا لم يتخذ مجلس الأمن أي إجراء.
4. طلب تدخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا كانت الادعاءات تتعلق بتهديد نووي.
إذا زعمت إسرائيل أن إيران تُعدّ لضربة نووية، فعليها تقديم أدلة دامغة. وفي المقابل، على إيران أن تفتح الباب أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من أن برنامجها النووي يخدم أغراضًا سلمية.
وأضاف: “يستخدم كلا الجانبين الرواية النووية لتبرير سلوكهما. تزعم إيران أنها تُطوّر الطاقة للاستخدام المدني، بينما تتهم إسرائيل بمحاولة منعها من تحقيق استقلالها في مجال الطاقة. من ناحية أخرى، تزعم إسرائيل أن إيران تُجهّز لتطوير سلاح نووي، دون تقديم أي دليل علني قاطع”.
بين الدبلوماسية والتصعيد: القضية النووية في قلب الصراع
ليست مناقشات القضية النووية بالأمر الجديد. كان الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية على وشك التنفيذ قبل أشهر، لكن المفاوضات تعثرت مجددًا، لا سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة، برئاسة دونالد ترامب، من الاتفاق.
اليوم، عادت القضية النووية لتحتل مركز الصدارة في الأزمة. فمن جهة، تسعى إيران إلى تأكيد حقها في الاستخدام المدني للطاقة النووية. ومن جهة أخرى، تنظر إسرائيل إلى أي تقدم إيراني في المجال النووي على أنه تهديد وجودي.
ويحذر بودن من أن “الذرائع النووية” قد تستخدم لتبرير الحرب الوقائية دون وجود أدلة قانونية كافية.