كيف صعد عمالقة التكنولوجية “حرب الخوارزميات” ضد غزة؟

تقترب عملية هاولان من الاكتمال منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عقب عملية طوفان نوح التي شنتها المقاومة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلي. وشهدت هذه الفترة أنواعاً مختلفة من الحروب والتمييز ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وكل أنصارهم في أماكن أخرى. ومن أهم هذه الحروب دعماً للسياسة الإسرائيلية كانت “حرب الخوارزميات”.
وتقود هذه الحرب شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة مايكروسوفت، التي اتخذت خطوة جديدة في مايو/أيار الماضي بحظر كلمات “غزة” و”فلسطين” و”إبادة جماعية” من جميع رسائل البريد الإلكتروني داخل الشركة وخارجها.
وتم تنفيذ هذه الخطوة بصمت، دون إبلاغ مايكروسوفت لموظفيها. وتفاجأ موظفو الشركة الأميركية عندما علموا أن جميع الرسائل التي تحتوي على الكلمات المذكورة أعلاه تم حجبها، ولم تصل إلى المتلقين سواء داخل الشركة أو خارجها. وقد أكدت ذلك حملة الاحتجاج “أنا لا أزور نظام الفصل العنصري”، والتي أفادت بأن “العشرات من موظفي مايكروسوفت” لم يتمكنوا من إرسال رسائل لا تحتوي على عبارة “غزة وفلسطين والإبادة الجماعية” في سطر الموضوع أو النص.
وأعلنت مجموعة “نوح”، وهي مجموعة من موظفي مايكروسوفت تدعم القضية الفلسطينية، عن الحظر. وقالت المجموعة إن الشركة نفذت الفلتر سراً على خوادم Exchange الخاصة بها بعد احتجاجات في مؤتمر Microsoft Build 2025 بشأن توفير الشركة للخدمات السحابية وأدوات الذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي.
ورغم أن مايكروسوفت معروفة بدعمها لإسرائيل وجيشها، واستخدام الذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص في حرب غزة، فإن الشركة بررت التغييرات التي طرأت على نظام البريد الإلكتروني الخاص بها بقولها إنها تهدف إلى الحد من الرسائل التي تتطرق إلى القضايا السياسية داخل الشركة.
كيف كان رد فعل مايكروسوفت على قرارها؟
رغم القيود الصارمة التي تفرضها شركة مايكروسوفت على موظفيها، نجح موظف فلسطيني في الشركة في التحايل على نظام الرقابة الداخلي الذي يحظر استخدام كلمات مثل “فلسطين” و”غزة” و”إبادة جماعية” من خلال إرسال رسالة احتجاج عبر البريد الإلكتروني إلى آلاف الموظفين في الشركة.
أرسلت نسرين جرادات، وهي مهندسة دعم فني كبيرة في شركة مايكروسوفت، رسالة بعنوان: “لا يمكنكم التخلص منا”. في رسالتها، انتقدت إدارة الشركة بشدة لتعاملها مع المخاوف الفلسطينية، قائلةً: “بصفتي موظفة فلسطينية، سئمت من طريقة تعامل هذه الشركة مع شعبنا. أوجه هذه الرسالة إلى قيادة مايكروسوفت: إن إسكات أي صوت يجرؤ على التحدث ضد إنسانية الفلسطينيين أغلى بكثير من مجرد الاستماع إلى مخاوف موظفيكم”.
ولم يتضح بعد كيف تمكن جرادات من التحايل على حظر الشركة لبعض الكلمات في عناوين الأخبار أو المحتوى. ومع ذلك، حثت الرسالة الموظفين على التوقيع على عريضة من حملة No Azure Apartheid، والتي تدعو مايكروسوفت إلى إنهاء عقودها مع الحكومة الإسرائيلية.
وتأتي هذه الحملة ضمن سلسلة من الاحتجاجات التي شهدتها الشركة في الأسابيع الأخيرة. وشجع أعضاء المجموعة، ومن بينهم جرادات نفسه، زملاءهم على المشاركة بطرق مختلفة داخل الشركة.
من جانبه، كرر المتحدث باسم مايكروسوفت فرانك شو بيان الشركة السابق في هذا الشأن، والذي جاء فيه أن “إرسال رسائل جماعية إلى الزملاء حول مواضيع غير متعلقة بالعمل أمر غير مناسب”، وأشار إلى أن الشركة “اتخذت خطوات للحد من وصول مثل هذه الرسائل إلى الموظفين الذين لم يوافقوا على تلقيها”.
شركات التكنولوجيا العملاقة تتحد ضد غزة
ولم تكن خطوة مايكروسوفت مفاجئة. منذ اندلاع الحرب، وقبل ذلك بسنوات عديدة، شنت شركات التكنولوجيا العملاقة حملة واسعة ضد كل منشورات مواقع التواصل الاجتماعي الداعمة للقضية الفلسطينية – حتى المنشورات السلمية – من خلال حذف الوسوم الداعمة للقضية. ولعل أشهر هذه الشركات هي شركة Meta، الشركة الأمريكية التي تقف وراء فيسبوك وإنستغرام.
منذ بداية الحرب، شن موقع ميتا حملة صارمة على منصاته ضد المنشورات التي تدعم القضية الفلسطينية وتدين الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وبالإضافة إلى ذلك، تم نشر مقاطع فيديو توثق الغارات الجوية الإسرائيلية على منازل المدنيين، فضلاً عن الحالات الأولى التي أطلق فيها جنود المنظمة النار على مدنيين عزل خلال عمليات الطرد المختلفة داخل قطاع غزة بعد أن أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر الإخلاء.
وكجزء من هذه الحملة، قامت شركة ميتا بحذف المنشورات فور نشرها، على الرغم من أنها لم تحتوي على أي من الانتهاكات المعتادة، مثل مشاهد “القتل العمد، أو الإساءة اللفظية، أو التحريض على وسائل غير سلمية أو غير أخلاقية”. ومن المثير للدهشة أنه لم يتم حذف أي منشورات داعمة لإسرائيل. واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الشركة الأميركية باستخدام آليات الفصل العنصري والقمع، مع إدانة كاملة للانتهاكات الإسرائيلية.
وقالت المنظمة إنها وثقت آلاف الحالات من حذف أو تقييد المحتوى المؤيد للفلسطينيين على فيسبوك وإنستغرام في جميع أنحاء العالم منذ بدء الحرب، بما في ذلك المنشورات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن هذه المنشورات لم تكن معادية، بل كانت محتوى سلميا مؤيدا للفلسطينيين، وقد تم حذفه أو قمعه بشكل غير مبرر كجزء من حملة الرقابة الرقمية. ومن بين 1050 منشورا تم حذفها، كان هناك منشور واحد فقط مؤيد لإسرائيل.
وشملت الحالات التي فحصتها هيومن رايتس ووتش محتوى من أكثر من 60 دولة، معظمها باللغة الإنجليزية، وعبرت جميعها عن الدعم السلمي للفلسطينيين بطرق مختلفة. وأكدت هيومن رايتس ووتش أن الإحصائيات المنشورة لا تعكس الواقع الفعلي للرقابة واسعة النطاق التي تفرضها شركة ميتا.
الوعود المكسورة
منذ الأيام الأولى للحرب، صنفت “ميتا” حركة المقاومة الإسلامية حماس كمنظمة إرهابية. ودفع ذلك الشركة إلى إزالة جميع المنشورات التي تحتوي على مصطلح “حماس” أو التي تدعمه أو تروج له، بحسب بيان للشركة. ويبلغ إجمالي عدد المنشورات المحذوفة أو التي تم وضع علامة “مزعجة” عليها خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب وحدها أكثر من 795 ألفًا.
ولكن لم يكن الأمر كذلك. وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن موقع ميتا ذهب إلى أبعد من ذلك: فقد حظرت المنظمة منشورات هيومن رايتس ووتش نفسها، بما في ذلك منشور يدعو إلى إنهاء الرقابة الرقمية على المحتوى السلمي الذي يدعم القضية الفلسطينية. وذكرت منظمة ميتا أن العديد من المستخدمين أبلغوا عن عدم قدرتهم على إعادة نشر أو الرد على منشور المنظمة الذي يدعو إلى توثيق الرقابة الرقمية.
بالإضافة إلى ذلك، تم تصنيف المنشور على أنه “بريد عشوائي”، وتمت إزالة التعليقات التي تحتوي على عنوان بريد إلكتروني لجمع الشهادات بسبب انتهاك إرشادات المجتمع.
حددت المنظمة ستة أنماط رئيسية للرقابة المتكررة التي حدثت 100 مرة على الأقل في حالات موثقة:
حذف المشاركات والقصص والتعليقات.
تعليق الحسابات مؤقتًا أو إلغاء تنشيطها بشكل دائم.
تقييد التفاعل مع المحتوى (الإعجاب، التعليق، المشاركة، أو إعادة النشر) لفترات تتراوح من 24 ساعة إلى 3 أشهر.
منع المستخدمين من متابعة حسابات أخرى أو الارتباط بها.
تقييد استخدام ميزات معينة مثل البث المباشر وأدوات تحقيق الدخل وتوصيات الحساب.
يؤدي الحظر الخفي إلى تقليل وصول المنشورات أو الحسابات دون إخطار المستخدم عن طريق تقييد التوزيع أو تعطيل عمليات البحث عن الحساب.
تم تجاهل ميتا
ورغم إصرار شركة ميتا على عدم وجود تمييز في التعامل مع المحتوى الفلسطيني على منصاتها، اتهم عضوا مجلس الشيوخ الأميركي إليزابيث وارن وبيرني ساندرز الشركة بالفشل في تقديم تفسيرات واضحة أو بيانات دقيقة عن سياسات الرقابة التي تنتهجها في ضوء الحرب المستمرة في غزة. وبذلك، فإنهم شككوا في مصداقية الشركة في الالتزام بسياساتها المعلنة.
وقالت إليزابيث وارن لموقع “ذا إنترسبت”: “تصر شركة ميتا على أنها لم تمارس التمييز ضد المحتوى المتعلق بفلسطين، لكنها ترفض تزويدنا بأي دليل أو بيانات لدعم هذا الادعاء”. “إذا لم تكن إزالة ملايين المنشورات وتغييرات السياسة موجهة إلى المحتوى الفلسطيني، فماذا تخفي ميتا؟”
وأرسل السيناتور الديمقراطي رسالة إلى الرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربيرج، تتضمن عشرات الأسئلة المحددة حول جهود الشركة لمراقبة المحتوى المتعلق بقطاع غزة. وطالبت قبل كل شيء بأرقام دقيقة عن المساهمات التي تم إزالتها أو تقييدها بسبب لغتها – سواء باللغة العبرية أو العربية.
لكن الرد المختصر للشركة لم يتضمن أي تفاصيل واضحة. وقالت شركة ميتا ببساطة: “في الأيام التسعة التي أعقبت السابع من أكتوبر، قمنا بإزالة أو الإبلاغ عن أكثر من 2200000 منشور باللغتين العبرية والعربية لانتهاكها سياساتنا”.
ودفع هذا الرد السيناتور بيرني ساندرز إلى الانضمام إلى وارن في ممارسة ضغوط متجددة على الشركة. وفي رسالة مشتركة، قال: “إن رد ميتا لم يقدم أيًا من المعلومات اللازمة لفهم كيفية تعامل الشركة مع المحتوى العربي أو الفلسطيني مقارنة بأنواع أخرى من المحتوى”.
من جانبها، ذكرت منظمة حقوق الإنسان غير الربحية “أكسس ناو” في تقرير لها أن “شركة ميتا قامت بحظر أو تقييد حسابات الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين داخل قطاع غزة وخارجه، وحذفت بشكل تعسفي كميات كبيرة من المحتوى، بما في ذلك المواد التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع”.
وعلى الرغم من هذه السيطرة، لا يزال بإمكان المستخدمين التحايل على خوارزميات Meta، التي تستخدم لتشديد الرقابة الرقمية، عن طريق إدراج الفواصل أو الأحرف الأجنبية أو الأرقام للسماح بمشاركة منشوراتهم دون قيود.