التصعيد الأوروبي ضد إسرائيل.. لماذا الآن؟- تحليل

بقلم: محمود الطوخي
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتزايد الضغوط على تل أبيب لوقف انتهاكاتها للقانون الإنساني الدولي. ويؤدي الحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال على قطاع غزة إلى أزمة غير مسبوقة، ويدفع حلفاء تل أبيب الرئيسيين في أوروبا إلى اللجوء إلى التصعيد الدبلوماسي.
وفي بيان مشترك، ألقت بريطانيا وفرنسا وكندا اللوم على إسرائيل في التدهور الخطير للوضع الإنساني في قطاع غزة. ودعت الدول الثلاث إلى وقف العمليات العسكرية فوراً ورفع الحصار عن قطاع غزة المحاصر.
ولم تكتف الدول الأوروبية بتقديم المطالب بل هددت باتخاذ إجراءات “ملموسة” إذا لم توقف إسرائيل انتهاكاتها. وبذلك، زادوا من الضغوط الدولية على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو.
ويثير بيان الدول الثلاث، التي تعد من بين أهم حلفاء إسرائيل، تساؤلات حول تأثيره على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
من جانبه هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بريطانيا وفرنسا وكندا بعد أن هددت هذه الدول بفرض عقوبات على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة.
واعتبر نتنياهو تصريحات الدول الأوروبية الثلاث “مكافأة وجائزة كبيرة لحماس”، وأكد أنه “لا يمكن أن يتوقع من أي دولة أن ترضى بأقل من هزيمة حماس… وإسرائيل، بطبيعة الحال، لن تقبل بذلك”.
وقال نتنياهو إن الحرب الدائرة في قطاع غزة يمكن أن تنتهي بمجرد إطلاق سراح السجناء الإسرائيليين، وموافقة حماس على إلقاء سلاحها، وطرد قادتها من قطاع غزة. وشدد على ضرورة “جعل غزة منطقة منزوعة السلاح”.
الإعلان الثلاثي: العواقب والتصعيد
وفي تصعيد للتوتر، أعلنت المملكة المتحدة، الثلاثاء، تعليق المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرض عقوبات على المستوطنين المتطرفين، واستدعاء السفير الإسرائيلي من لندن “للتشاور”، بحسب ما ذكرت وكالة أسوشيتد برس.
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، أكدت مفوضة الشؤون الخارجية كايا كلاس أن غالبية وزراء خارجية الاتحاد مستعدون لمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل. وسوف يتضمن ذلك أيضًا تعليق بعض أنظمتها التجارية والعلمية ما لم تمتثل إسرائيل للقانون الإنساني الدولي.
إسرائيل: تصعيد في ردود الفعل والتوترات الدبلوماسية
ومع تصاعد الخطاب الأوروبي تجاه تل أبيب، استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية سفيري فرنسا وكندا للاحتجاج. وحذر مسؤولون إسرائيليون من أن أي “ضرر يلحق بالمصالح الاستراتيجية لبلادهم” من شأنه بلا شك أن يؤدي إلى تدهور كبير في الثقة المتبادلة مع أوروبا.
لماذا تأخر الموقف الأوروبي تجاه إسرائيل؟
ورغم الخطاب الأوروبي غير المسبوق منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن المحللين والمراقبين اعتبروا أن هذا الخطاب كان متأخراً جداً، بعد مرور ما يقرب من عام ونصف العام على بدء الإبادة الجماعية في قطاع غزة. لكن مراكز الأبحاث العالمية عزت هذا الوضع إلى عدة أسباب:
وفي هذا السياق، يرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الاتحاد الأوروبي يواجه بديلين: أولاً، التزامه بالقانون الدولي، وثانياً، رغبته في الحفاظ على نفوذه الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
وحذر المجلس من أن التردد في اتخاذ إجراءات فعالة من شأنه أن يضر بالمصداقية الدولية للأوروبيين ويضعف قدرتهم على تعزيز حل الدولتين.
ويعتقد المحللون في مركز كارنيغي الأوروبي في بروكسل أن تعليق الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل يمكن أن يرسل إشارة قوية بشأن العلاقة بين حقوق الإنسان وشروط التعاون مع الاتحاد. لكنهم يعتقدون أيضا أن تأثير هذه الخطوة قد يظل رمزيا إذا لم يقترن بضغوط اقتصادية ملموسة.
وعزا محللون وخبراء دوليون تأخر الموقف الأوروبي تجاه إسرائيل إلى مخاوف داخلية من وجود خلافات بين دول الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع إسرائيل. وقد يؤدي هذا إلى إضعاف السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وجعلها غير فعالة في الصراعات العالمية، وفقًا للمعهد الأوروبي لتطوير السياسات.
ويؤكد ذلك تصريح الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، التي بررت الإجراءات ضد إسرائيل بقولها: “لقد حصلت هولندا على دعم كاف لمقترحها بمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل”.
التصعيد الأوروبي… لماذا الآن؟
وبحسب تقارير إعلامية غربية، يشعر الزعماء الأوروبيون بالقلق إزاء صعود الأحزاب اليمينية في بلدانهم ويخشون الاستقطاب الجماهيري الذي قد يؤدي إلى انقسامات داخل المجتمع نتيجة لحرب غزة.
ويعتقد خبراء في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن أزمات حقوق الإنسان والحريات مثل الأزمة في غزة تستخدمها الجماعات اليمينية كوقود لتعبئة قاعدتها الانتخابية المتطرفة. وتؤكد التقارير الأخيرة أن التعاطف الشعبي مع غزة يثير موجة من الاحتجاجات والدعوات للتضامن.
وفي المقابل، يشير المجلس إلى أن اليمين المتطرف في أوروبا يستغل هذه المشاعر المؤيدة للفلسطينيين لتعزيز الخطاب المعادي للإسلام والمعادي للهجرة، معتقدًا أن التضامن مع فلسطين “يضر بأمن أوروبا واستقرارها”.
وفي نهاية شهر مارس/آذار، كشف تحليل علمي لنحو 18 مليون تغريدة من برلمانيين أوروبيين من 17 دولة غربية عن زيادة كبيرة في خطاب الكراهية السياسية، مؤكدا أن هذا يرتبط بشكل مباشر بالتأثير المتزايد للأحزاب اليمينية المتطرفة.
وخلص التحليل إلى أن الأحزاب اليمينية الأوروبية استخدمت الصراع في غزة لتعميق الانقسامات وإضفاء الشرعية على خطاب الكراهية والعنف.