السينما العربية تعيد اكتشاف نفسها فى الدورة الـ78 بمهرجان كان

• تتناول الأفلام القضايا الاجتماعية والسياسية الحالية بين الواقع والخيال. • يتنافس الفيلم المصري “عائشة لا تستطيع الطيران” والفيلم الفلسطيني “كان يا مكان في غزة” مع فيلم “نظرة معينة”. • حفصية حرزي وطارق صالح يقتحمان المسابقة الرسمية بفيلمي “نسر الجمهورية” و”الفتاة الأخيرة”
تشهد الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي مشاركة عدد كبير من الأفلام المتنوعة، ما يمنح السينما العربية حضوراً مميزاً وخاصاً في هذا الحدث الدولي الكبير. وتساهم أفلام هذا العام في إعادة تعريف السينما العربية على الساحة العالمية عند عرضها لأول مرة، بغض النظر عما إذا كان مبدعوها يعيشون في الوطن أو الخارج. وفي الوقت نفسه، يبرز الإنتاج المشترك بقوة في هذه الأعمال، ويلقي الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية الراهنة. يتراوح الطيف من الواقعية، التي تسمح لنا بفهم العالم والتساؤل عنه، إلى الخيال والتخيل، الذي يعطي القصص الجمال والسحر والبعد الشعري. كما يستكشف المعرض أيضًا بعض السنوات الماضية التي شكلت جزءًا مهمًا من التاريخ المعاصر من خلال روايات وقصص آسرة متجذرة في الواقع والمقاومة والمشاعر المضطربة.
ويشارك المخرج السويدي من أصل مصري طارق صالح في المسابقة الرسمية لجائزة السعفة الذهبية بفيلمه “نسر الجمهورية” بطولة ليانا صالح، وفارس فارس، وشيرين دعبس. تدور أحداث الفيلم حول جورج فهمي، الممثل المصري الأشهر، الذي يتورط فجأة في فضيحة ويكاد يخسر كل شيء. يُجبر جورج على قبول عرض لا يستطيع رفضه. كما سيعرض في مسابقة “نظرة ما” الفيلم الفلسطيني “حدث ذات مرة في غزة” للأخوين طرزان وعرب ناصر. الفيلم من بطولة نادر عبد الحي ومجد عيد ورمزي قدسي، وتدور أحداثه في قطاع غزة عام 2007 أثناء صعود حركة حماس. يحكي قصة يحيى، وهو طالب شاب يصادق أسامة، تاجر المخدرات، ويبدآن معًا في بيع المخدرات سرًا من مطعم فلافل. ومع ذلك، فإنهم يضطرون إلى مواجهة ضابط شرطة فاسد ومتغطرس ويبلغون عن العقبات التي تقف في طريقهم.
في مقدمة الفيلم، قال المخرجون: “في قديم الزمان في غزة، كان يحيى الضعيف، وأسامة القاسي، وسامي المنافق الخاضع ضحايا كبرياء مشترك، مدفوعين بغريزة مشتركة للبقاء. ومثل العديد من أبطال الشاشة الكلاسيكيين، يتشابك هؤلاء الثلاثة في مصير مشترك، على غرار الأفلام الغربية الحديثة. الصداقة والانتقام والفكاهة السوداء هي المكونات الرئيسية للفيلم، مقدمًا شيئًا للجميع للتفكير فيه.
يشارك الفيلم المصري “عائشة لا تستطيع الطيران” للمخرج مراد مصطفى في مسابقة “نظرة ما”. ويعد الفيلم أول عمل روائي طويل للمخرج الذي صنع لنفسه اسمًا في السنوات الأخيرة بسلسلة من الأفلام القصيرة التي نالت إشادة النقاد. بدأ الأمر بفيلم “ورد الحناء” (2020)، ثم “خديجة وما لا تعرفه عن مريم” (2021)، وأخيراً فيلم “عيسى” الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية خلال أسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي 2023، وشكل نقطة تحول في مسيرته الفنية.
الفيلم من إنتاج مشترك بين تونس والسودان وقطر والمملكة العربية السعودية وألمانيا وفرنسا. ويشارك في الأدوار الرئيسية بوليانا سيمون من جنوب السودان، بالإضافة إلى زياد ظاظا وعماد غنيم وممدوح صالح. تدور القصة حول عائشة، وهي مهاجرة أفريقية تبلغ من العمر 26 عامًا وتعيش في حي عين شمس بالقاهرة، المعروف بمجتمعاته المهاجرة المتنوعة. تعمل عائشة كمدبرة منزل في العديد من المنازل وتكافح يوميًا في بيئة قاسية ومزدحمة تحرمها من أي راحة بينما تحاول التكيف مع واقع لا يرحم.
من خلال أحداثه، يستكشف الفيلم المشهد الاجتماعي والسياسي للمنطقة ويحاول فهم التوترات التي تنشأ بين المصريين والجنسيات الأفريقية المختلفة التي تعيش في الحي. يستخدم مراد مصطفى أسلوب الفيلم الصامت الذي يسمح للجمهور بالتعاطف مع معاناة أزمة الهجرة. ويمثل الفيلم عودة السينما المصرية إلى مسابقة “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي بعد تسع سنوات.
وقد حظي العمل باهتمام مبكر باعتباره مشروعًا تنمويًا؛ شارك في سلسلة من ورش العمل السينمائية المتخصصة، وحاز على العديد من الجوائز المرموقة، أبرزها الجائزة الكبرى لورشة فاينال كات في مهرجان البندقية السينمائي، والجائزة الكبرى لورشة أطلس في مهرجان مراكش السينمائي، وكلاهما في نهاية عام 2024. وهذا ساعد في تسليط الضوء على مشروعه كمشروع واعد قبل عرضه الأول المتوقع في مهرجان كان السينمائي.
سبق للمخرج مراد مصطفى أن شارك في مهرجان كان السينمائي الدولي 2023 بفيلمه “عيسى” ضمن مسابقة “أسبوع النقاد”. فاز الفيلم بجائزتين من أصل 30 جائزة حصل عليها طوال مسيرته الفنية، كما شارك في مهرجانات سينمائية كبرى أخرى، مثل مهرجان لوكارنو، ومهرجان ملبورن، ومهرجان شيكاغو، ومهرجان ستوكهولم.
وتشارك المخرجة الفرنسية التونسية حفصية حرزي في المسابقة الرسمية للمهرجان بفيلمها الجديد “الفتاة الصغيرة الأخيرة” من بطولة نادية المليتي وبارك مين جي. تدور أحداث الفيلم حول فاطمة، الابنة الصغرى لعائلة مهاجرة جزائرية نشأت في إحدى ضواحي باريس. المواضيع المتعلقة بالحب والجنس تعتبر من المحرمات بالنسبة لهم. عندما غادرت المدرسة الثانوية في الضواحي للتحضير للكلية، بدأت تبتعد عن عائلتها.
تكتشف فاطمة خططًا جديدة للحياة وتكتشف مثليتها الجنسية، مما يقودها سريعًا إلى الخروج من حالتها المعقدة والدخول في صراعات مع عائلتها ودينها ونفسها. يتتبع الفيلم حياة فاطمة في رحلتها بين الهوية والتقاليد واكتشاف الذات.
فازت حفيزة حرزي بجائزة سيزار لأفضل ممثلة عن دورها في فيلم “بورجو” للمخرج ستيفان ديموستييه. وهذا هو فيلمها الثالث. وكان الفيلم السابق قد شارك في مسابقة نظرة ما، في حين شارك الفيلم الأول في أسبوع النقاد.
كما تشارك المخرجة الفرنسية التونسية أريج السحيري بفيلمها “سماء بلا أرض” الذي تم اختياره فيلم الافتتاح في مسابقة “نظرة ما” في الدورة 78 من المهرجان وسيحتفل بعرضه العالمي الأول.
حظي الفيلم بإشادة كبيرة عند عرضه في قاعة ديبوسي، وحظي بحفاوة بالغة لمدة 15 دقيقة. حظي فيلم المخرجة أرييج سهيري وممثلاتها الثلاث عيسى مايغا ولايتيتيا كي وديبورا ناني، إلى جانب الممثل التونسي محمد جراية والمصورة السينمائية فريدة مرزوق، باستقبال حماسي من قبل الجمهور والنقاد لقصتهم البسيطة عن ثلاث مهاجرات يعشن في تونس ويتقاسمن منزلًا على وشك الانهيار. يدعمان بعضهما البعض في مواجهة الحقائق القاسية ويواجهان تحديات يومية بسبب العنف والتمييز العنصري، خاصة بعد وصول فتاة يتيمة زعزعت توازن علاقتهما.
وقد استوحيت فكرتها من أحداث حقيقية جرت في تونس في شهر فبراير/شباط، عندما تعرض المهاجرون من دول جنوب الصحراء الأفريقية لهجمات عنيفة في وسائل الإعلام وفي الشوارع. وقد أدى الخطاب السياسي التحريضي إلى تأجيج موجة من العداء أدت إلى اعتقالات تعسفية وطرد.
وبعد وقت قصير من انتهاء العرض، بدأت المراجعات النقدية الأولى. وقد لخص آلان هانتر من سكرين ديلي المزاج الذي استحضره الفيلم على النحو التالي: “فيلم A Sky Without a Land هو تحية حلوة ومرة للمرونة والتضحية، مع الوافدة الجديدة ديبورا ناني التي قدمت أداءً رائعًا كروح شرسة مصممة على البقاء على قيد الحياة مهما كانت الحياة ترمي في طريقها”.
وتابع هانتر: “تروي السهرية قصةً تدور حول التحديات الفردية والجماعية التي تواجهها النساء. وهناك سطرٌ يتحدث عن الأمهات والبنات”.
ركز فابيان ليميرسييه من شركة سينوبا على الجانب الإنساني العميق للفيلم، وكتب: “تأسر أريجي سيهيري المشاهدين بفيلم إنساني بشكل لا يصدق يركز على ثلاث نساء محبوبات من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعشن في تونس ويطورن وعيًا متزايدًا بالعالم”. وتابع: “بإيقاعها الرائع وانسيابيتها المذهلة في الحركة وتصميم المسرح، تكشف مسرحية *سماء بلا أرض* ببطء ومهارة عن الجوانب المختلفة لأبطالها الثلاثة”.
ويشكل العرض سابقة في تاريخ السينما التونسية. لم يسبق من قبل أن يفتتح فيلم تونسي هذه المسابقة الرسمية التي تكرم الأصوات السينمائية الواعدة التي تتميز بالابتكار والجرأة الفنية.
يستند السيناريو إلى أحداث حقيقية وقعت في فبراير/شباط في تونس، عندما تصاعدت أعمال العنف وخطاب الكراهية ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما أدى إلى اعتقالات جماعية وحملات ترحيل. يوثق الفيلم لحظات التوتر والتضامن في مواجهة الخطر ويسلط الضوء على هشاشة المهاجرين وقدرتهم على الصمود.
“سماء بلا أرض” هو الفيلم الروائي الطويل الثاني للمخرجة نهلة السحيري بعد فيلم “تحت الشجرة”، ويواصل ما تصفه بـ”رؤيتها السينمائية الإنسانية” التي تمزج بين “الواقع والتأمل”.
وأكدت السهري تفضيلها للأعمال المبنية على الواقع، مضيفة: «الأفلام المبنية على الواقع الملموس تجذبني لأنها تمنحنا فرصة فهم العالم والتساؤل عنه».
وفي الوقت نفسه، أعتقد أن الخيال يلعب دورًا أساسيًا، لأنه يضيف الجمال والسحر والبعد الشعري إلى القصص التي يصعب الاستغناء عنها.
وقالت “أنا فخورة جدًا ومليئة بالحب لجميع من صنع هذا الفيلم معي”. “آمل أن يساهم كل فيلم، بطريقته الخاصة، في إنهاء إقصاء الآخرين وتهميشهم.” واختتمت كلمتها بتقديم الشكر الجزيل للجمهور الذي رافقها في رحلتها العاطفية عبر الفيلم. يعرض مهرجان كان السينمائي الفيلم الوثائقي الفلسطيني الفرنسي الإيراني “ضع روحك في يدك وامش” للمخرجة الإيرانية سبيده فارسي في قسم ACID للسينما المستقلة الذي يقام على هامش المهرجان. يتتبع الفيلم حياة المصور الفلسطيني فاطمة حسونة (25 عاماً)، التي استشهدت في غزة في هجوم صاروخي إسرائيلي على منزلها وعائلتها.
في الوقت نفسه، يشارك الفيلم الوثائقي «الحياة بعد سهام» للمخرج المصري نمير عبد المسيح في مهرجان كان السينمائي ويحتفل بعرضه العالمي الأول هناك. وهو إنتاج مصري فرنسي.
يبدأ الفيلم بفقدان والدة المخرج “سهام” التي توفيت دون أن يدرك طفلها أن خسارتها حقيقية ونهائية. ولكن في عالم الطفولة، تبقى الأمهات خالدات. في محاولة للحفاظ على ذكراها حية.
يذكر أن المخرج نمير عبد المسيح أمضى سنواته الأولى في مصر قبل أن ينتقل إلى فرنسا، حيث التحق بالمدرسة الوطنية للمهن البصرية والصوتية (لا فيميس) لدراسة الإخراج. أخرج العديد من الأفلام القصيرة وشارك في مهرجان كان السينمائي ومهرجان برلين السينمائي ومهرجان كوبنهاجن الدولي للأفلام الوثائقية بفيلمه “العذراء والأقباط وأنا”. فاز الفيلم بجائزة التانيت الفضي في مهرجان قرطاج السينمائي عام 2011 وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الدوحة تريبيكا السينمائي.