المحللان فالبونا زينيلي وزولتان فيير: الصين المستفيد الأكبر من الخلاف بين أمريكا والاتحاد الأوروبي

منذ 7 ساعات
المحللان فالبونا زينيلي وزولتان فيير: الصين المستفيد الأكبر من الخلاف بين أمريكا والاتحاد الأوروبي

لقد أدت سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مختلف المجالات إلى تحويل التحدي الذي تمثله الصين من نقطة تقارب واتفاق بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين إلى نقطة خلاف محتملة بين جانبي الأطلسي.

في تحليل أجرته مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية، أوضحت فالبونا زينيلي، وهي زميلة غير مقيمة في مركز أوروبا التابع للمجلس الأطلسي ومركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن، وزولتان فيرنر، أستاذ الدبلوماسية والاستراتيجية الجغرافية وزميل غير مقيم في مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي، أن طموحات الصين العالمية تشكل تحديات استراتيجية لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب فإنهما بحاجة إلى إيجاد أرضية مشتركة لحل قضية الصين.

وأضاف الباحثون أنهم زاروا مؤخرا بروكسل وباريس وتحدثوا مع سياسيين وخبراء وقادة أعمال أوروبيين. وقالوا إنه في ضوء النزاع عبر الأطلسي الجديد بشأن الرسوم الجمركية وغيرها من القضايا، فإنهم يشعرون بقلق متزايد من أن الولايات المتحدة قد تدير ظهرها لأوروبا. ولذلك فإن العديد من الأوروبيين يفكرون في التقارب مع الصين.

وفي تحليلهما، حدد فالبونا زينيلي وزولتان فير أربعة اتجاهات جيوسياسية أوسع نطاقا ساهمت في تشكيل السياسة الأوروبية تجاه الصين في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات في التأثير على التطورات في الأشهر والسنوات المقبلة.

إن أول هذه الاتجاهات هو أن الأوروبيين يشعرون بشكل متزايد بأنهم محاصرون بين جبهات المنافسة الاستراتيجية المتصاعدة بسرعة بين الولايات المتحدة والصين. لقد أدى موقف الصين العالمي الحازم وجهودها لإعادة تشكيل النظام الدولي إلى تفاقم التوترات بين بكين وواشنطن. وقد دفع هذا واشنطن إلى التحول من السعي إلى المشاركة والتواصل مع الصين إلى الحفاظ على حالة من التوازن الاستراتيجي منذ وقت مبكر من عام 2017، خلال فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى. وقد تم الحفاظ على هذا التوازن إلى حد كبير من قبل إدارة خليفته، الرئيس السابق جو بايدن، حيث أصبحت الصين مركز الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن اتخذ نبرة مختلفة وركز بشكل أكبر على التنسيق مع الحلفاء، إلا أنه حافظ على عناصر رئيسية لاستراتيجية ترامب تجاه الصين، مثل القيود التجارية، والحد من تصدير التكنولوجيا الأميركية، ومواصلة جهوده السياسية والعسكرية لمواجهة النفوذ العالمي للصين. لقد اتبعت إدارة ترامب الثانية مسارا أكثر مواجهة مع التركيز الواضح على الانفصال الاقتصادي وزيادة كبيرة في التعريفات الجمركية. تم فرض تعريفات جمركية بنسبة 145% على معظم السلع الصينية، تلاها تدابير انتقامية من الصين بنسبة 125% وأخيراً تم التوصل إلى اتفاق لخفض هذه التعريفات إلى 30% و10% على التوالي.

تعكس تصرفات ترامب الأخيرة استراتيجية اقتصادية أوسع نطاقا تقوم على مبدأ “أميركا أولا”، والتي تهدف إلى خفض العجز التجاري وحماية الصناعة الأميركية من الممارسات التجارية غير العادلة التي تمارسها الصين. ارتفع العجز التجاري الأمريكي مع الصين من أقل من مليار دولار في عام 1985 إلى ما يقرب من 300 مليار دولار في عام 2024.

الاتحاد الأوروبي يحذر من الانجرار إلى المنافسة الثنائية بين واشنطن وبكين. إن الاتحاد الأوروبي يدرك التحديات النظامية التي تفرضها طموحات الصين العالمية ويسعى إلى حماية مصالحه الاقتصادية واستقلاليته الاستراتيجية. وفي الوقت نفسه، يشعر صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي بالقلق من أن التأثير المتزايد للتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ــ وخاصة قدرة الصين المفرطة على الإنتاج والتي تغمر الأسواق العالمية ــ قد تلحق الضرر بالصناعات الأوروبية الرئيسية. في حين أن البعض في بروكسل يفضل تعميق التعاون والتقارب مع بكين، يحذر آخرون من أن هذا قد يضر بالقدرة التنافسية لأوروبا واستقلالها السياسي على المدى الطويل.

أما الاتجاه الثاني المؤثر على سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين فهو الشكوك المتزايدة حول استمرار التزام الولايات المتحدة كضامن لأمنه في العالم وفي أوروبا. منذ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أصبح الاستقطاب الداخلي في الولايات المتحدة وتراجع دورها العالمي سبباً للقلق لدى الأوروبيين. لقد بدأ هذا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، الذي حول الاهتمام الأميركي إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي اعتبرها كثيرون دليلا على أن واشنطن لم تعد تريد تركيز استراتيجيتها الكبرى على أوروبا والشرق الأوسط.

ثم جاءت فترة ولاية ترامب الثانية، والتي عمل خلالها على تقليص المشاركة الأميركية العالمية بسرعة، وتساءل عن فعالية الدعم لأوكرانيا، وسعى إلى التقارب مع روسيا من خلال فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الولايات المتحدة من السيارات والصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي، و10% على كل الواردات الأخرى تقريبا. وقد أدت هذه الخطوات إلى تعميق الخلافات السياسية والاقتصادية والأمنية بين واشنطن وبروكسل، وفرضت إعادة تقييم استراتيجية للتحالف عبر الأطلسي في أوروبا.

وكان الاتجاه الثالث هو حرب روسيا ضد أوكرانيا، والتي زعزعت استقرار البنية الأمنية الأوروبية ومثلت أول هجوم مباشر على النظام الأوروبي بعد الحرب الباردة وعلى المبادئ الأساسية للسلام الدولي والسيادة والديمقراطية. وبالنسبة للأوروبيين، كانت هذه الحرب دليلاً على أن قوة عدوانية واستبدادية كانت على أعتاب أبوابهم، كما أكدت على هشاشة البنية الأمنية الحالية.

ويشكل الدعم السياسي والاقتصادي الذي تقدمه بكين لموسكو مصدر قلق للسياسيين الأوروبيين، ويسلط الضوء على الدور المتنامي للصين كداعم استراتيجي للمجهود الحربي الروسي. لقد كان الدعم الاقتصادي والسياسي الذي قدمته بكين، والذي استند إلى الشراكة “غير المحدودة” التي تم توقيعها قبل أيام قليلة من الحرب ضد أوكرانيا، بمثابة شريان حياة لموسكو وقوض فعالية العقوبات الغربية ضد البلاد.

أما الاتجاه الرابع فهو أن التحدي الاقتصادي والتكنولوجي المتنامي الذي تشكله الصين أصبح يشكل تهديدا كبيرا للأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. إن التوسع العالمي الذي تقوده الدولة الصينية، والذي يتميز بالدعم المقدم للشركات الصينية والقيود المفروضة على وصول الشركات الأجنبية إلى السوق ونقل التكنولوجيا القسري إلى الصين، قد أدى إلى تقويض المنافسة العادلة وإرهاق الصناعة في الاتحاد الأوروبي. ورداً على تباطؤ اقتصادها، زادت الصين من تصدير قدرتها التصنيعية الزائدة إلى أوروبا، وخاصة في قطاعات مثل معدات الطاقة المتجددة، مما وضع ضغوطاً على قطاعات أوروبية رئيسية. ونظرا لهذه الحقائق، تظل الدول الأوروبية منقسمة بشأن كيفية التعامل مع الصين.

وفي تحليلهما، خلص فالبونا زينيلي وزولتان وير إلى أن الصين الشيوعية هي المستفيد الأكبر من الصراع عبر الأطلسي وانحدار النظام الدولي الليبرالي. إن أوروبا والعالم بحاجة إلى التزام أميركا أكثر من أي وقت مضى إذا أرادا منع الصين من إلحاق المزيد من الضرر بالقدرة التنافسية الاقتصادية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإعادة تشكيل النظام العالمي وفقا لنموذجها الاستبدادي.


شارك