من الهند وباكستان إلى إسرائيل وإيران.. صراعات نووية محتملة وأمن عالمي مُهدد

في ظل التوترات المتزايدة بين الهند وباكستان، يخشى المجتمع الدولي أن يلجأ أحد أعضاء النادي النووي العالمي إلى الضغط على “الزر الأحمر” تحت الضغط. ومن شرق آسيا، تنتشر التهديدات إلى الشرق الأوسط، حيث تهدد إسرائيل باستهداف البرنامج النووي الإيراني، مما يعرض الأمن العالمي للخطر.
وفي وقت مبكر من صباح الأربعاء، شنت الهند هجوما صاروخيا مفاجئا على باكستان، مما أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة 46 آخرين في عدة مواقع، بحسب مسؤولين في إسلام آباد. ردًا على الهجوم الإرهابي الذي قتل فيه 26 سائحًا في الجزء الذي تسيطر عليه نيودلهي من المنطقة في نهاية أبريل.
وردت باكستان بسرعة بقصف مدفعي على طول خط وقف إطلاق النار في منطقة كشمير المتنازع عليها مع الهند.
وفي الشرق الأوسط، تتزامن التهديدات الإسرائيلية بقصف المنشآت النووية في طهران مع المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، مما يزيد من المخاوف العالمية من “الخيار النووي”.
وفي هذا السياق، نقوم بدراسة القدرات النووية لإسرائيل وإيران والهند وباكستان فيما يتصل بترساناتها، وأنظمة توصيلها، ومواقفها من معاهدة منع الانتشار النووي، وعقيدتها النووية.
الهند: سباق التسلح والتحديث التدريجي
الهند دولة تمتلك أسلحة نووية ولم توقع على معاهدة منع الانتشار النووي. وبحسب تقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فإن البلاد ستمتلك في عام 2024 نحو 172 رأساً نووياً. وتعمل نيودلهي على تحسين قدراتها بشكل كبير، خاصة بعد الاختبار الناجح لصاروخ “أجني-5” في مارس/آذار 2024، والذي يمكنه حمل رؤوس حربية متعددة.
تشمل ترسانة الهند أجيالاً مختلفة من صواريخ أجني التي يتراوح مداها من 700 كيلومتر إلى أكثر من 5000 كيلومتر، مع تطوير صاروخ أجني-6 لمدى يصل إلى 8000 كيلومتر. وتمتلك البلاد أيضًا غواصات نووية من فئة أريهانت مزودة بصواريخ K-15 وK-4. وتمتلك الهند في مجالها الجوي طائرات من طراز جاكوار وميراج 2000 وسوخوي 30، بالإضافة إلى طائرات رافال الفرنسية المقاتلة الحديثة.
وتتبع نيودلهي رسميا سياسة “عدم الاستخدام الأول”، وهو ما يعني أنها لن تهاجم الدول غير الحائزة للأسلحة النووية بالأسلحة النووية. لكن التصريحات الأخيرة لبعض مسؤوليها أثارت تساؤلات حول احتمال حدوث تغيير في هذه السياسة، خاصة في ضوء تصاعد النزاعات مع باكستان والصين.

باكستان والمناورات لزيادة الجاهزية العملياتية
وتستمر باكستان في توسيع وتحديث ترسانتها النووية بوتيرة متسارعة على الرغم من التوترات المستمرة مع الهند. وبحسب تقارير صادرة عن اتحاد العلماء الأمريكيين ومبادرة التهديد النووي، ستمتلك البلاد ما بين 165 و170 رأسًا نوويًا بحلول عام 2023. وتنتج الشركة حوالي 4.9 طن من اليورانيوم عالي التخصيب و500 كيلوغرام من البلوتونيوم سنويًا، وتخطط لاستخدام تصاميم أخف وزنًا وأكثر حداثة، وفقًا لمبادرة التهديد النووي.
وتشمل أنظمة التسليم الباكستانية عدة صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل البلاد حالياً على تطوير صاروخ أبابيل، الذي يمكنه حمل رؤوس نووية متعددة.
أما فيما يتعلق بالعقيدة النووية، فإن باكستان، مثل الهند، لم توقع على معاهدة منع الانتشار النووي وتعارضها بشدة طالما أن الهند تحتفظ بترسانة نووية. وتعتبر باكستان أي مفاوضات لحظر الأسلحة النووية غير عادلة إذا كانت ترسانتها معفاة. وبحسب منظمة مراقبة الأسلحة، فإن العقيدة النووية للبرنامج النووي لم يتم الإعلان عنها رسميا، لكن خيار “الاستخدام الأول” لا يزال قائما.
وفي تطور أحدث، خلال الأزمة المستمرة التي بدأت في كشمير في أبريل/نيسان 2025، أجرت باكستان تدريبات لتحسين جاهزيتها للردع النووي واختبرت نسخة محسنة من صاروخ عبد الله (هاتف-2) بمدى جديد يبلغ 450 كيلومترا (180 كيلومترا في السابق) في 4 مايو/أيار 2025.
ويمتد التهديد النووي العالمي من الشرق الأقصى بين باكستان والهند إلى الشرق الأوسط، حيث تهدد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستهداف البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من وعد طهران بحمايته بأي ثمن.
إسرائيل: ترسانة غامضة وتحديث سريع
لقد اتبعت إسرائيل لسنوات عديدة سياسة الغموض النووي الكامل، حيث لم تنضم إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي معاهدة دولية رئيسية تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية وتكنولوجيا الأسلحة النووية. ورغم أن البلاد لم تكشف علناً قط عن ترسانتها النووية ولا ترد على الاستفسارات بشأنها، فإن تحليلاً أجراه معهد ستوكهولم لأبحاث السلام يشير إلى أنها تعمل باستمرار على تحديث قدراتها النووية. وبحسب تقرير صادر عن المعهد في يونيو/حزيران 2024، فإن تل أبيب “تعمل على تحديث أنظمتها النووية وتطوير مرافق إنتاجها بما يقدر بنحو 80 إلى 90 رأسًا نوويًا، وكلها في مخازن ذخيرة آمنة تحت الأرض”.
ولم تكتف إسرائيل بتطوير أنظمتها النووية، بل تمتلك أيضاً عدة أجيال من الصواريخ الباليستية أرض-أرض من فئة أريحا، والتي يقدر مداها بما يتراوح بين 4800 و6500 كيلومتر. وتمتلك البلاد أيضًا غواصات من فئة دولفين (ثلاث غواصات قديمة واثنتان حديثتان) قادرة على إطلاق صواريخ كروز بعيدة المدى. علاوة على ذلك، فهي تمتلك قوة جوية، حيث يمكن لسلاح الجو الإسرائيلي استخدام طائراته المقاتلة من طراز إف-16 وإف-15 لإسقاط القنابل النووية. وتمتلك البلاد أيضًا طائرات مقاتلة من طراز F-35 المتطورة، والتي يمكنها حمل قنابل نووية في المستقبل.
ومع اندلاع الحرب على غزة في عام 2023، حذر السياسيون الإسرائيليون من نية مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية إذا تصاعد القتال. ورغم هذه الشكوك، يعتقد الخبراء، وفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أن إسرائيل تعمل على زيادة جاهزيتها النووية من خلال تحديث رؤوسها الحربية وتطوير أنظمة توصيل جديدة للحفاظ على قدرتها على الردع النووي.

قدرات التخصيب الإيرانية تقترب من العتبة النووية
ورغم عدم وجود تقارير رسمية تؤكد امتلاك طهران للأسلحة النووية، فإن قناة فوكس نيوز ذكرت في أواخر يناير/كانون الثاني أن طهران تستخدم منشآت فضائية لتصنيع الرؤوس النووية. لكن طهران ظلت دائما صامتة بشأن هذه الاتهامات المتعلقة ببرنامجها النووي.
وفي الوقت نفسه، تواصل إيران تطوير برنامجها النووي بمعدلات مثيرة للقلق. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بلغت مخزوناتها من اليورانيوم المخصب نحو 8294 كيلوغراماً في فبراير/شباط 2025، بما في ذلك 275 كيلوغراماً مخصباً بنسبة 60%، وهو مستوى قريب بشكل خطير من المستوى المطلوب للأسلحة النووية.
وتملك إيران ترسانة من الصواريخ الباليستية، أبرزها صواريخ الخليج الفارسي، وصواريخ قيام، وصواريخ خرمشهر، التي يتراوح مداها بين 700 و2000 كيلومتر. في مايو 2025، قدمت طهران نسخة جديدة من صاروخ الحاج قاسم بمدى 1200 كيلومتر. ورغم أن البلاد لا تمتلك غواصات نووية ولا قاذفات نووية، فإن تطوير صواريخ كروز البحرية يشير إلى نوايا طويلة الأجل.
على الرغم من انضمام إيران إلى معاهدة حظر الانتشار النووي في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها علقت البروتوكول الإضافي في عام 2021، مستندة في موقفها إلى فتوى دينية أصدرها المرشد الأعلى تحظر حيازة الأسلحة النووية. ومع ذلك، أشار كبار المسؤولين العسكريين مؤخرا إلى أنهم قد يعيدون النظر في هذه السياسة إذا تم استهداف منشآتهم النووية.
وقال أحمد حق طالب، قائد الحرس الثوري الإيراني والمسؤول عن أمن المنشآت النووية الإيرانية، إن التهديدات الإسرائيلية بمهاجمة البنية التحتية النووية “تسمح لنا بمراجعة عقيدتنا النووية والانحراف عن تفكيرنا السابق”.
ورغم الاختلافات في العقيدة والقدرات، فإن القاسم المشترك بين القوى الأربع هو إيمانها بدور الردع النووي في تأمين مصالحها. وبالتالي فإن اندلاع حرب نووية يعتمد على موقف الربح والخسارة لأحد أطراف الصراع، والذي قد يدفعه إلى الضغط على “الزر الأحمر”.
ونظرا لتصاعد الصراعات الإقليمية، أصبح من المهم مراقبة سلوك هذه البلدان ليس فقط من منظور عسكري، بل أيضا فيما يتصل بالقرارات السياسية الحاسمة التي قد تؤدي إلى كارثة نووية أو منع وقوعها في اللحظة الأخيرة.
في حين تظل الهند وباكستان رهينتين للصراع الدائر في كشمير، تواجه إسرائيل وإيران مساراً أكثر غموضاً فيما يتصل بالتوازنات الإقليمية المتشابكة التي تتورط فيها الولايات المتحدة وروسيا.
لم يتم الضغط على الزر الأحمر بعد، لكن أصابعي أصبحت أقرب إليه من أي وقت مضى.