الهند وباكستان.. حرب محتملة تهدد بـ”شتاء نووي” و100 مليون قتيل

مع تصاعد التوترات بين الجارتين الآسيويتين، الهند وباكستان، يتزايد الخوف الدولي من أن تنجر القوتين النوويتين إلى حرب مفتوحة. ويأتي السبب في ذلك هو الهجوم الإرهابي الذي قتل فيه 26 سائحًا في الجزء من منطقة كشمير المتنازع عليها والذي تسيطر عليه نيودلهي.
وأثارت الحادثة، التي وقعت في 22 أبريل/نيسان بالقرب من بلدة باهالجام، أزمة دبلوماسية وعسكرية بين الهند وباكستان. وألقت نيودلهي باللوم على إسلام آباد، مما دفع الجانبين إلى تصعيد التوترات.
ونظرا لتزايد احتمالات المواجهة العسكرية بين البلدين، بحثت دراسة بحثية أجريت عام 2019 ونشرت في مجلة Science Advances، وهي مجلة علمية متعددة التخصصات تابعة للجمعية الأميركية لتقدم العلوم، سيناريوهات الحرب الوشيكة بين الهند وباكستان.
أما بالنسبة للإطار الزمني للحرب المحتملة، فقد حددت الدراسة الأميركية عام 2025 باعتباره العام الذي ستحدث فيه. وأشارت إلى أن التوسع السريع في الترسانات النووية لكلا البلدين ينذر بكارثة إقليمية وعالمية.
وبحسب محاور الدراسة، فإن الأزمة الحالية مرتبطة بمخاطر طويلة الأمد. ما الذي يمكن أن يمنع المنطقة من الانزلاق إلى الهاوية؟
أزمة كشمير: محفز التصعيد الحالي
أثار الهجوم الأخير في باهالجام، والذي أعلنت مسؤوليته عنه جماعة مشبوهة تسمى “مقاومة كشمير”، غضبا واسع النطاق في الهند. واتهمت نيودلهي باكستان بدعم الهجوم دون تقديم أي دليل علني.
لكن إسلام آباد نفت هذه الاتهامات وعرضت التعاون في التحقيق في ملابسات الهجوم. ووصفت الحكومة هذه الاتهامات بأنها “محاولة لتشويه سمعته”.
وردت الهند بسلسلة من الإجراءات الصارمة، بما في ذلك تعليق معاهدة مياه نهر السند، التي وقعتها مع باكستان في عام 1960. وتنظم هذه الاتفاقية الاستخدام المشترك لمياه نهر السند، وهو شريان حياة للزراعة والطاقة في الدولة الإسلامية المسلحة نوويا.
ومن ناحية أخرى، اتخذت باكستان موقفا لا يقل صرامة عن موقف نيودلهي. وأكدت أن هذا التعليق يمثل “تصعيدا خطيرا” وحذرت من أن إسلام آباد ستعتبر أي انقطاع لإمدادات المياه “عملا عدائيا”.
وامتد التصعيد بين الجانبين إلى المستوى الدبلوماسي أيضًا. طلبت الهند من الدبلوماسيين الباكستانيين في نيودلهي مغادرة البلاد خلال أسبوع، وخفضت بشكل كبير حجم البعثة الباكستانية، وسحبت موظفيها من إسلام آباد. علاوة على ذلك، تم إغلاق معبر واغاه أتاري الحدودي، وهو البوابة الرئيسية للتجارة والنقل بين البلدين، وتم تعليق التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، بما في ذلك تلك الصادرة بموجب مجموعة التعاون الإقليمي لرابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي.
وردت باكستان بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية ووقف التجارة الثنائية، مما أدى إلى شل حركة المرور بين البلدين.
وعلى المستوى العسكري، تبادل الجيشان نيران المدفعية على طول خط السيطرة في كشمير في الأيام الأخيرة، فيما أجرت البحرية الهندية اختبارات صاروخية لإظهار قدرتها على توجيه ضربات دقيقة لمسافات طويلة.
في المقابل، أشار وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف إلى أن الترسانة النووية لبلاده، والتي تضم أكثر من 130 سلاحاً نووياً، “ليست مجرد مظهر” وأنها تستهدف الهند فقط.
وقد أثار هذا التبادل لوجهات النظر بين إسلام آباد ونيودلهي مخاوف دولية من احتمال حدوث تصعيد يتجاوز الاشتباكات المسلحة التقليدية، خاصة في ضوء الاحتجاجات الشعبية في الهند التي تطالب برد حاسم. ويزيد هذا من الضغوط على حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي المتطرفة لاتخاذ إجراء عسكري، والذي قد يشمل شن غارات جوية.
وفي إطار جهودها لنزع فتيل الوضع المتفجر، دعت الأمم المتحدة الجانبين إلى ممارسة “ضبط النفس”، في حين تواصل نيودلهي جهودها لكسب الدعم الدولي من خلال الاجتماعات الدبلوماسية مع دول مجموعة العشرين.
لكن المحللين يحذرون من أن التصعيد السريع قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية أكثر شمولاً، خاصة وأن كلا البلدين يمتلكان ترسانات نووية متطورة.
تحذيرات علمية: التوسع في الطاقة النووية ومخاطرها
وقد سلطت الأزمة الحالية الضوء على دراسة علمية نشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بحثت في التوسع المتسارع للترسانات النووية للهند وباكستان، وحذرت من أن هذا التطور يهدد بالتسبب في كارثة إقليمية وعالمية.
وخلصت الدراسة إلى أن كلا البلدين كان يمتلك ما بين 100 و150 رأسًا نوويًا في عام 2019. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 400 إلى 500 بحلول عام 2025. وقيل إن القوة التفجيرية لهذه الأسلحة تتراوح بين 12 و45 كيلوطنًا للرؤوس النووية التكتيكية ومئات الكيلوطن للأسلحة النووية الاستراتيجية.
يعرف الخبراء الأسلحة النووية التكتيكية بأنها أسلحة الدمار الشامل التي تستخدم لتدمير منطقة جغرافية محدودة، تاركة وراءها آثاراً إشعاعية ضارة، في حين أن الأسلحة النووية الاستراتيجية لها تأثير مدمر ذو مدى غير معروف.
سيناريو الحرب النووية
واعتمدت الدراسة، التي نشرت قبل خمس سنوات، على نماذج المحاكاة لتقدير عواقب الحرب النووية المحتملة.
وأظهرت الدراسة أنه في سيناريو افتراضي، إذا استخدمت الهند 100 سلاح نووي استراتيجي ضد المراكز الحضرية الباكستانية، وردت باكستان بـ150 سلاحاً نووياً، فإن الخسائر في الأرواح في الأيام القليلة الأولى قد تتراوح بين 50 إلى 125 مليون شخص.
وتعزو الدراسة هذه الأرقام إلى الكثافة السكانية العالية في مدن مثل دلهي وكراتشي، فضلاً عن الحرائق الناجمة عن الانفجارات النووية، والتي يمكن أن تطلق ما بين 16 و36 تيراغراماً من السخام (الغبار المشع) في الغلاف الجوي.
وبسبب صغر حجمها، ترتفع جزيئات الغبار إلى طبقة التروبوسفير العليا (الطبقة الأولى من الغلاف الجوي، والتي تمتد من 8 إلى 17 كيلومترًا فوق سطح الأرض) ثم إلى طبقة الستراتوسفير (الطبقة العليا من الغلاف الجوي، والتي تمتد من 10 إلى 50 كيلومترًا فوق سطح الأرض)، حيث تنتشر في جميع أنحاء العالم في غضون أسابيع قليلة.
ونتيجة لذلك، فإن كمية ضوء الشمس التي تصل إلى الأرض سوف تنخفض بنسبة 20 إلى 35%، مما يؤدي إلى تبريد سطح الأرض بما يتراوح بين 2 إلى 5 درجات مئوية وانخفاض هطول الأمطار بنسبة تتراوح بين 15 إلى 30%، مع تأثيرات إقليمية أكبر.
وتُعرف هذه الظاهرة باسم “الشتاء النووي”، ومن المتوقع أن تستمر لأكثر من عشر سنوات، بحسب الدراسة. وسوف يؤثر ذلك سلباً على المحاصيل الزراعية، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الأولي بنسبة تتراوح بين 15 و30 في المائة وانخفاض الإنتاجية البحرية بنسبة تتراوح بين 5 و15 في المائة. وستكون النتيجة مجاعات واسعة النطاق تهدد حياة الملايين أو حتى المليارات من البشر في جميع أنحاء العالم. وسوف يؤدي انهيار سلاسل إمدادات الغذاء إلى خسائر إضافية.
سيناريو التصعيد التفصيلي
وحددت الدراسة سيناريو التصعيد الذي بدأ بالعمل العسكري التقليدي. على سبيل المثال، إذا وقعت الحكومة الهندية ضحية لهجوم مدمر مثل هجوم باهالجام الأخير، فقد ترسل قواتها البرية، بما في ذلك الدبابات، عبر الحدود إلى باكستان أو تعبر خط السيطرة في كشمير المتنازع عليها.
في اليوم الأول من الصراع النووي، يمكن لباكستان استخدام عشر قنابل نووية تكتيكية تبلغ قوتها خمسة كيلوطن داخل حدودها لتدمير الدبابات الهندية. وفي اليوم الثاني، سيتم استخدام 15 سلاحًا نوويًا تكتيكيًا آخر. سترد الهند بشن ضربتين جويتين نوويتين على ثكنات باكستانية في بهاولبور في شرق البلاد، وستستخدم أيضاً 18 رأساً نووياً إضافياً لمهاجمة المطارات الباكستانية ومستودعات الأسلحة النووية، مما يضعف جزئياً قدرات إسلام أباد الانتقامية.
وفي اليوم الثالث، هاجمت باكستان 30 هدفا في مدن هندية بوابل من الصواريخ الباليستية والنووية المجنحة، مستخدمة رشقات جوية بقوة انفجارية تتراوح بين 15 إلى 100 كيلوطن، كما نشرت 15 رأسا نوويا تكتيكيا. وفي المقابل، ستستخدم الهند عشرة أسلحة نووية استراتيجية ضد القواعد العسكرية الباكستانية. إن الذعر والغضب وسوء الفهم والبروتوكولات العسكرية من شأنها أن تجعل تهدئة الوضع بين البلدين مستحيلة.
بين اليوم الرابع والسابع من الحرب، تعرضت المدن الهندية لـ 120 رأسًا نوويًا استراتيجيًا، في حين استهدفت المدن الباكستانية بـ 70 ضربة جوية نووية بقوة تفجيرية تتراوح بين 15 إلى 100 كيلوطن.
وفي المجمل، سيتم مهاجمة المناطق الحضرية الباكستانية بـ 100 سلاح نووي، والمناطق الحضرية الهندية بـ 150 سلاحاً نووياً. وستستخدم إسلام آباد 40 سلاحاً تكتيكياً و20 سلاحاً استراتيجياً ضد أهداف غير حضرية، بينما ستستخدم الهند 28 سلاحاً استراتيجياً ضد أهداف مماثلة.
العوامل المؤدية إلى التصعيد
حددت الدراسة الأميركية عدة عوامل تزيد من خطر التصعيد النووي وترتبط ارتباطا وثيقا بالأزمة الحالية:
أولاً، عدد الأهداف المحتملة، إذ يؤثر ذلك على حجم الترسانات النووية، حيث تتزايد الخسائر مع تزايد الكثافة السكانية للمدن التي تتعرض للهجوم من الجانبين.
ثانياً، خصائص الأسلحة: إن معدلات الفشل في الأنظمة أو أساليب التسليم والتوجيه يمكن أن تؤدي إلى أخطاء في الحسابات العسكرية.
ثالثا، إن الأحداث التي تؤدي إلى التصعيد، بما في ذلك الهجمات الإرهابية مثل هجوم باهالجام الذي أسفر عن مقتل 26 سائحا، أو التدريبات العسكرية بالقرب من الحدود، مثل تلك التي جرت مؤخرا، تزيد من خطر الصراع بين الهند وباكستان.
رابعا، تظل قضية كشمير قضية مهمة وحساسة، والتوترات الحالية تزيد من احتمالات المواجهة.
خامساً، الأسلحة النووية التكتيكية، لأن وجودها يمثل عامل زعزعة للاستقرار، إذ يمكن نشرها بسرعة في ساحة المعركة، كما في السيناريو المذكور أعلاه.
سادسا، مخاوف الهند من الصين، والتي تدفع القيادة العسكرية في نيودلهي مرارا وتكرارا إلى إعادة النظر في استخدام ترسانتها النووية، في ضوء التوترات المماثلة مع جارتها الكبرى.
سابعاً، إن اختلاف الكثافة السكانية بين البلدين، حيث أن اختلاف حجم السكان يؤثر على القوة العسكرية، وكذلك كثافة الأراضي بين البلدين، قد يدفع الطرفين المتحاربين، الهند وباكستان، إلى استخدام الأسلحة النووية في وقت مبكر لتحقيق التوازن الاستراتيجي.
واستشهدت الدراسة التي أجراها مركز ساينس أدفانسز بمحاكاة للأزمة أجرتها الأكاديمية البحرية الأميركية في سريلانكا في عام 2013، والتي شارك فيها محللون عسكريون ومدنيون متقاعدون من الهند وباكستان.
وخلصت التجربة إلى أن “حرباً محدودة في جنوب آسيا من شأنها أن تتصاعد بسرعة إلى حرب واسعة النطاق مع احتمال كبير لاندلاع حرب نووية”. ويتكرر هذا التحذير بشكل متزايد من قبل السياسيين الهنود والباكستانيين مع إظهار الأزمة الحالية علامات مماثلة للتصعيد – من الهجوم على كشمير إلى المناورات العسكرية والتهديدات بالعنف.
العلاقات في “مرحلة الأزمة”
وعلى الرغم من فترة الهدوء النسبي التي شهدتها السنوات الأخيرة، فإن الأزمة الحالية سلطت الضوء على هشاشة العلاقات بين نيودلهي وإسلام آباد. ويؤكد هذا تحذيرات الباحثين من أن ردود الفعل العسكرية والدبلوماسية المتصاعدة بسرعة بين الجانبين تعكس سيناريوهات قد لا تختلف عن تلك الموصوفة في الدراسة الأميركية. إن هجومًا مثل الذي وقع في باهالجام أو التدريبات العسكرية بالقرب من الحدود قد تؤدي إلى تصعيد نووي.
ومع تصاعد الموقف واقتراب وقوع كارثة عالمية، تتزايد الدعوات إلى الهدوء من الجانبين على المستوى الدولي. لكن المحللين يزعمون أن غياب الوساطة الدولية القوية من جانب روسيا والولايات المتحدة، بسبب انشغال هاتين الدولتين بصراعات أخرى حول العالم، يقلل من فرص خفض التصعيد بين نيودلهي وإسلام آباد.