ونغرس فيأكل من بعدنا.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة

وحددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة المقبلة على النحو التالي: “نغرس ليأكل من بعدنا”.
وأوضحت وزارة الأوقاف أن الهدف من هذه الخطبة هو توعية الناس بفضيلة الكمال في كل شيء وأثره في تقدم الأمم. أما الخطبة الثانية فتحذر من خطر الجشع وتؤكد على ضرورة غرس الأمل في نفوس الناس.
وفي نص الدعوى:
الحمد لله رب العالمين الذي هدا العقول بعجائب حكمته ووسع الخلق بعظيم نعمته. فخلق الكون بعظمة تجلياته، وأنزل الهدى على أنبيائه ورسله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً، صمداً. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفوه من خلقه وحبيبه. أرسله الله تعالى رحمة للعالمين وخاتماً للأنبياء والمرسلين. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والآن:
ذكر المؤرخون أنه في يوم من الأيام مر أحد ملوك الفرس في موكبه برجل عجوز كان يزرع شجرة لن تنمو إلا بعد مائة عام. فقال له الملك: أمرك عجيب. أرى أنك قريب من الموت، وها أنت تزرع شجرة لن تنمو لمدة مائة عام قادمة. كم يدوم أملك! فقال له الرجل: الله يهدي الملك! الذين قبلنا زرعوا لكي نأكل، ونزرع ليأكل الذين بعدنا!
أيها الناس، دعونا نزرع هذه الثقافة في نفوسنا وفي مجتمعنا. نحن نزرع حتى يأكل الذين يأتون بعدنا. نحن ننتج حتى يستفيد منه من يأتي بعدنا. نحن نحكم العالم حتى نتمكن من إضاءة العالم لأولئك الذين يأتون بعدنا. وهنا أشرف لغة تقودنا إلى هذا الطريق المستنير من الإتقان والعطاء والكرم والإيثار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم يوم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها).
أنت الذي تزرع ليأكل الآخرون، ازرع جيدًا! وانضم إلى صفوف الإبداع والكمال الإلهي؛ إن الكون بأكمله يشهد على عظمة الخالق وعجائب خلقه. فهو يشير إلى الكمال غير المسبوق والإتقان الذي لا مثيل له. كل روح صحية تحمل في داخلها بذور الكمال، وروح العطاء، والرغبة في إحداث تأثير إيجابي في هذه الحياة! وهذا هو الموقف النبوي الشريف، ممزوجاً ببيان المحبة الإلهية: «إن الله يحب أن يتقن أحدكم العمل».
فلنسأل أنفسنا أيها الأصدقاء الأعزاء: هل نحقق فعلاً أعلى مستويات الجودة والتميز والإتقان في عملنا؟ هل حققنا الوصية الخالدة لمحمد: “كتب الله الإحسان على كل شيء”؟ فهل نظرنا إلى حياة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وكيف كانت روح الكمال تجري فيهم في كل عمل كما يجري ماء الورد في الورد؟ وهذا سيدنا بلال رضي الله عنه يؤذن بصوت واضح جهوري، ويسعى إلى إيصال دعوة الحق على أحسن وجه وأبلغه. أمامكم سيرة سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه، الذي خطط للمعارك بإتقان ومهارة وذكاء. وهنا سلمان الفارسي رضي الله عنه يذهل العالم بفكرته الإبداعية في الحفر. وكان موقفهم – موقف أهل المدينة الفاضلة – هو موقف الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
أيها النبيل، فليكن في علمك النبيل أن الكمال ضرورة وليس ترفًا. في عالم مليء بالتحديات، لا يمكن لمجتمعنا أن يتقدم إلا من خلال العمل المثالي الذي يحمل روح التفاني والإخلاص. فلنزرع بذور الكمال في كل مجال: في عبادتنا، في عملنا، في صناعتنا، في تجارتنا، في تعليمنا، في علاقاتنا الإنسانية. فلنجعل كل عمل لوحة إبداعية تستحق التأمل ولسان الحقيقة يتردد صداه في كل أنحاء الكون. دعونا نقدم للعالم قصصًا ملهمة وروايات تحفيزية وسير ذاتية ونحدث تأثيرًا دائمًا طالما ظل العالم موجودًا.
عباد الله، اعلموا أن إتقاننا للعمل في كل مجال هو سر نهضتنا وأساس تقدمنا. عندما يكون الطبيب صادقاً في علاجه، والمهندس مجتهداً في تصميمه، والعامل مبدعاً في حرفته، والجندي مستيقظاً للدفاع عن وطنه، فإننا نبني مستقبلاً مشرقاً لأبنائنا وأحفادنا. الحياة قصيرة وكل واحد منا يحتاج إلى ترك انطباع جيد، والقيام بعمل جيد، والقيام بزراعة واسعة النطاق وترك انطباع دائم. فلنكن مثل شجرة النخيل العظيمة التي تنشر خيرها دائمًا وكل من يمر بجانبها يأكل من ثمرها. فلنهتدي بقول الله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ولنغرس أيها الكرام ليأكل منه من بعدنا.
إلى نص الخطبة بعد الفاصل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والآن:
“بذرة الحصاد” هي شبح أسود، رمز مرعب للموت، وبوابة إلى العدم الخيالي، ووعد كاذب بالراحة الأبدية. فأنت يا من تتعبه الهموم، ويتعب قلبه أعباء الحياة، وتغمض عيناه سحاب اليأس الداكن، أسألك باسم ربك: هل تحتوي هذه البذرة على الحل؟ هل النهاية هي النصر؟ هل الهروب هو الحل؟! أم أن الملجأ والنجاة والنجاة والتوفيق في الفرار إلى “الله الرحمن الرحيم، الرؤوف، المحب، الكريم، الغفور، الرازق”؟ أيها الكريم، اعلم أنه {لا ملجأ من الله إلا إليه}.
واعلموا يا أحبتي أن علاج الحزن واليأس لا يكمن في ابتلاع السم، بل في نشر الأمل، الأمل الذي يولد من رحم الألم، الأمل الذي يزهر في قلب اليأس، الأمل الذي يضيء كمصباح في ظلمة الروح. الأمل ليس مجرد كلمة عابرة، بل الأمل فعل، الأمل جهد، الأمل إيمان بأن الغد سيحمل فرصًا جديدة للنجاح، وأشعة شمس دافئة تنير القلوب، وابتسامات صادقة تبعد الهموم. الأمل يعني رؤية درس في كل تعثر، وصعود في كل سقوط، وراحة في كل صعوبة. {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
أعزائي، نحن جميعًا نعلم أن الحياة ليست دائمًا سهلة ومبهجة. يمكن للرياح أن تقلبنا رأسًا على عقب، ويمكن للأمواج أن تهيّج، ويمكننا أن نضيع طريقنا في الظلام. لكن لا تستسلموا لأوهام اليأس ولا تصدقوا وعود الموت الكاذبة. ابحث عن بريق الضوء في أعماقك، وتمسك بخيوط الأمل الرفيعة، واسمح للحياة أن تمنحك جمالها الجديد! يا عباد الله، الخلاص ليس في بذرة قاتلة، بل في بذرة أمل مبتسمة نزرعها في قلوبنا ونسقيها بالإيمان والعمل، لكي تزدهر حياة جديدة مشرقة مليئة بالفرح والسعادة والرفقة والسعادة. فلنضع جانباً بذور الحصاد ونقبل بذور الأمل ونأكلها بألسنة مليئة بالأمل.