لماذا اعتاد المسلمون التجمع لصلاة ليلة 27 رمضان بجامع عمرو ابن العاص؟

منذ 3 شهور
لماذا اعتاد المسلمون التجمع لصلاة ليلة 27 رمضان بجامع عمرو ابن العاص؟

في ليلة السابع والعشرين من رمضان، يتوافد المصلون على مسجد عمرو بن العاص في منطقة الفسطاط بوسط القاهرة. هذا المشهد يعيد إلى الأذهان تاريخ أقدم مسجد في مصر وكل أفريقيا. على مدى 1420 عامًا، قامت بنشر المعرفة الإسلامية وجمع المؤمنين من جميع أنحاء القاهرة. ورغم أنها شهدت أحداثاً تاريخية، من تغيير البلدان والعواصم والسلاطين، إلا أنها تظل رمزاً للعصر الإسلامي في مصر.

وتعدد صحيفة الشروق أهم أوصاف مسجد عمرو بن العاص وأشهر المحطات التاريخية التي مر بها عبر العصور، مستشهدة بكتاب «المواعظ والاعتبار» لتقى الدين المقريزي وموقع هيئة الاستعلامات المصرية.

-أنشأه الصحابة

كان الجيش الإسلامي يحاصر قلعة بابل عندما اختار مسلم يدعى “قصبة بن كلثوم” قطعة أرض بستان لبناء منزل عليها. وبعد أن أتم عمرو بن العاص فتح مصر، أصدر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أمراً ببناء مسجد للصلاة في مصر. فاختار عمرو بن العاص البستان الذي اختاره قصبة وعرض عليه المال مقابل الأرض. قررت القصبة التبرع بالبستان دون تعويض حتى يتم بناء أول مسجد في مصر وكل أفريقيا هناك.

وقد شارك في بناء المسجد عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، والزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم أجمعين. تم بناء المسجد سنة 21م، وكان من أوائل المباني في مدينة الفسطاط، بجوار دار عمرو بن العاص -رضي الله عنه-. وكان المسجد مركز المدينة التي سكنها الفاتحون المسلمون وأصبحت أكبر مدينة في مصر.

وكان بناء المسجد في ذلك الوقت بسيطاً، ويشبه بناء المسجد النبوي في بداياته. وكانت جدران المسجد من اللبن، وسقفه من جريد النخيل، وأرضيته من الحصى، وأعمدته من الخشب. وكانت مساحتها 50×30 ذراعًا، أي ما يعادل 600 متر مربع. ولم تكن هناك مآذن، ولا منابر، ولا فناء، وكان السقف منخفضا. ألقى الخطيب الخطبة بدون منبر لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى الخطيب أن يكون في مكان أعلى من جلوس المؤمنين على الأرض.

أقدم جامعة دينية في مصر

اشتهر الأزهر بتدريس العلوم الإسلامية، إلا أن جامع عمرو بن العاص كان مركز الدراسات الإسلامية قبل مئات السنين من تأسيس الأزهر. وفي الزاوية، وهي جزء من المسجد، كان العلماء يعقدون حلقات تعليمية. ومن أشهر العلماء الذين درسوا في جامع عمرو الإمام الشافعي، وله زاوية معروفة، والليث بن سعد، والعز بن عبد السلام، وابن هشام صاحب السيرة النبوية. وكان عدد الحلقات التعليمية في المسجد يزيد على 100 حلقة، وكان ذلك في القرن الرابع الميلادي.

رجال مشهورون بخدمتهم في المسجد

وعلى مدى تاريخه، نقشت أسماء العديد من الرجال الذين عملوا على توسعة وترميم المسجد أثناء بناء جامع عمرو. ومن أوائل من رمم المسجد الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، حيث أضاف إلى المسجد أربع مآذن. وضاعف عبد العزيز بن مروان مساحة المسجد، ورفع عبد الله بن عبد الملك الأموي سقف المسجد. وفي العصر الطولوني أشرف خمرويه بن أحمد بن طولون على ترميم المسجد بعد انهياره. كما قام صلاح الدين بترميم المسجد بعد أن انهار في حادثة أخرى. وكان الأمير المملوكي سالار هو الذي أمر ببناء أرضية المسجد بالكامل من الرخام.

الحرائق والزلازل وبقاء المسجد

تعرض جامع عمرو عبر تاريخه الطويل للعديد من الحرائق والزلازل، ولكن رغم شدتها ظل الجامع آخر بناء في الفسطاط أسسه عمرو بن العاص (رضي الله عنه). أول حريق حدث في المسجد كان في عهد أحمد بن طولون. وقد تم ترميمه وتحسينه فيما بعد. أكبر الحرائق وقعت في أواخر العصر الفاطمي، حين أشعل الوزير الفاطمي شاور النار في مدينة الفسطاط بعشرين ألف زجاجة زيت. إلا أن صلاح الدين نجح في إعادة بناء المسجد، الذي دمر بعد حوالي 200 عام بسبب زلزال قوي ضرب مصر في العصر المملوكي. ثم أعاد بناء المسجد الناصر قلاوون.

التصميم الحالي للمسجد

ويختلف التصميم الحالي بشكل كبير عن الشكل الأصلي للمسجد، الذي تم تجديده عدة مرات على مدار أكثر من ألف عام. وكان آخر من أعاد بناء المدينة بالكامل هو الحاكم المملوكي مراد بك، وذلك قبل وقت قصير من وصول الحملة الفرنسية. يظهر تصميم مراد بك ما تبقى من المسجد. ويتكون من مئذنتين في الجهة الغربية المواجهة للقبلة وفناء كبير في وسط المسجد به قبة ونافورة، ويحيط به أربعة أروقة ذات أسقف خشبية. وأكبرها رواق القبلة ذو القبة التي يرجع تاريخها إلى عهد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه. ويوجد أيضًا محرابان مجوفان، بجوار كل منهما منبر محاط بأعمدة متوجة تدعم أقواس الأروقة.

يذكر أن مراد بك انتهى من بناء المسجد في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وقد صلى معه في الافتتاح الأمراء وكبار القادة. ومنذ ذلك الحين أصبح من العادات والتقاليد أن يجتمع الناس للصلاة في مسجد عمرو بن العاص في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان.


شارك